فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

في الرجال قولان أحدهما: رجالًا جمع راجل مثل تجار وتاجر وصحاب وصاحب والراجل هو الكائن على رجله ماشيًا كان أو وافقًا ويقال في جمع راجل: رجل ورجالة ورجالة ورجال ورجال.
والقول الثاني: ما ذكره القفال، وهو أنه يجوز أن يكون جمع الجمع، لأن راجلًا يجمع على راجل، ثم يجمع رجل على رجال، والركبان جمع راكب، مثل فرسان وفارس، قال القفال: ويقال إنه إنما يقال راكب لمن كان على جمل، فأما من كان على فرس فإنما يقال له فارس، والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

و: رجالًا، منصوب على الحال، والعامل محذوف، قالوا تقديره: فصلوا رجالًا، ويحسن أن يقدر من لفظ الأول، أي: فحافظوا عليها رجالًا، ورجالًا جمع راجل، كقائم وقيام، قال تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا} وقال الشاعر:
وبنو غدانة شاخص أبصارهم ** يمشون تحت بطونهنّ رجالًا

والمعنى: ماشين على الأقدام، يقال منه: رجل يرجل رجلًا، إذا عدم المركوب، ومشى على قدميه، فهو راجل ورجل ورجل، على وزن رجل مقابل امرأة. وهي لغة أهل الحجاز، يقولون: مشى فلان إلى بيت الله حافيًا رجلًا، ويقال رجلان ورجيل ورجل، قال الشاعر:
عليّ إذا لاقيتُ ليلى بخلوة ** أن ازدار بيت الله رجلان حافيًا

قالوا: ويجمع على: رجال ورجيل ورُجالي ورجالى ورجالة ورجلان ورَجلة ورجلة بفتح الجيم وأرجلة وأراجل وأراجيل؛ قرأ عكرمة، وأبو مجلز: فرُجَّالًا، بضم الراء وتشديد الجيم، وروي عن عكرمة التخفيف مع ضم الراء، وقرئ: {فرجلًا}، بضم الراء وفتح الجيم مشدودة بغير ألف؛ وقرئ: {فرجلا}، بفتح الراء وسكون الجيم.
وقرأ بديل بن ميسرة: فرجالًا فركبانًا بالفاء، وهو جمع راكب. قال الفضل: لا يقال راكب إلاَّ لصاحب الجمل، وأما صاحب الفرس فيقال له فارس، ولراكب الحمار حمَّار، ولراكب البغل بغَّال، وقيل: الأفصح أن يقال: صاحب بغل، وصاحب حمار.
وظاهر قوله: {فإن خفتم} حصول مطلق الخوف، وأنه بمطلق الخوف تباح الصلاة في هاتين الحالتين.
وقالوا: هي صلاة الغداة للذي قد ضايقه الخوف على نفسه في حالة المسايفة أو ما يشبهه، وأما صلاة الخوف بالإمام، وانقسام الناس فليس حكمها في هذه الآية.
وقيل: فرجالًا، مشاة بالجماعة لأنهم يمشون إلى العدو في صلاة الخوف، أو ركبانًا أي: وجدانًا بالإيماء.
وظاهر قوله: فرجالًا، أنهم يوقعون الصلاة وهم ماشون، فيصلون على كل حال، والركب يومئ ويسقط عنه التوجه إلى القبلة، وهو قول الشافعي؛ وقال أبو حنيفة: لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف. اهـ.

.تفسير الآية رقم (240):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذكر أحكام عشرة النساء على هذا الوجه مظنة سؤال سائل كما تقدم يقول: قد استغرق الاشتغال بهن الزمان وأضر بالفراغ للعبادة وكان هذا السؤال إيماء إلى الاستئذان في الرهبانية والاختصاء الذي سأل فيه من سأل كما سيبين إن شاء الله سبحانه وتعالى في المائدة في قوله: {ولا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87] وكان الإعراض عن جواب السائل بالأمر بالمحافظة على الصلاة ربما أشعر بالإقرار على مضمون السؤال والإذن في الترهّب بقرينة الإعراض عن السؤال وربما كان مشيرًا إلى النهي عن الترهب بقرينة السكوت على ما تقدم من الأمر بعشرتهن من غير نهي عنه عقب الأمر بذلك ببعض آيات النساء تأكيدًا لما أفهمته تلك الإشارة أي اتركوا الترهب وكونوا رجالًا في الاقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم في القيام بحقوق الله وحقوق نفسه وغيره من سائر العباد وجعل ما تعقب آية الصلاة من تعلق النكاح آيتين فقط أولاهما في حكم من أحكام الموت وهي منسوخة كما قال الأكثر ليست من دعائم أحكام هذا الباب إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الإقبال على العبادة أكثر وأن يكون الاشتغال بأمر النساء والأولاد إنما هو على وجه التزود للموت وما بعده فقال تعالى: {والذين} وقال الحرالي: لما ذكر سبحانه وتعالى أحكام الأزواج في الطلاق والوفاة وحكم الفرض والمتعة في المطلقات قبل الدخول ختم هذه الأحكام المؤكدة بالفرض والأمر بما هو من نحوها فنظم بالمتعة من النفقة والكسوة والإخدام وما في معناه المتعة بالسكنى للمتوفى عنها زوجها إلى حد ما كانت العدة في الجاهلية ليكون للخير والمعروف بقاء في الإسلام بوجه ما أيما عقد وعهد كان في الجاهلية فلن يزيده الإسلام إلا شدة- انتهى.
فقال تعالى: {يتوفون منكم} أي يقاربون أن يستوفي أرواحهم من أعارها أبدانهم فيخلصها منها كاملة لا يغادر منها شيئًا ولا يأخذ شيئًا من الجسم معها مع ما بينهما من كمال الامتزاج الذي لا يقدر معه على تمييز أحدهما عن الآخر إلا هو سبحانه وتعالى: {ويذرون أزواجًا} بعد موتهم، فليوصوا {وصية} ومن رفع فالتقدير عندهم: فعليهم وصية، ويجوز أن تحمل الوفاة على حقيقتها ويكون التقدير: وصية من الله لأزواجهم، أو يوصيكم الله وصية {لأزواجهم} بالسكنى في بيوتهم {متاعًا} لهن {إلى} رأس {الحول} من حين الوفاة.
قال الحرالي: وهو غاية العمر وجامع لجملة الفصول التي بوفائها تظهر أحوال الصبر عن الشيء والحرص عليه وإنما الحول الثاني استدراك- انتهى.
{غير إخراج} أي غير مصاحب ذلك المتاع بنوع إخراج أو غير ذوي إخراج.
قال الحرالي: لتكون الأربعة الأشهر والعشر فرضًا وباقي الحول متاعًا لتلحق أنواع المتعة بأنواع اللازم في الزوجية من نفقة وكسوة وإخدام وسكنى، ولما كان هذا المتاع الزائد إنما هو تقرير للزوجة في حال ما كانت عليه مع زوجها إشعارًا ببقاء العصمة وإلاحة من الله تعالى بحسن صبر المرأة المتوفى عنها زوجها على زوجها، لا تتزوج عليه غيره حتى تلقاه فتكون معه على النكاح السابق ليكون للأمة في أزواجهم لمحة حظ من تحريم أزواج نبيهم بعده اللاتي يقمن بعده إلى أن يلقينه أزواجًا بحالهن، فيكون ذلك لمن يستشرف من خواص أمته إلى اتباعه في أحكامه وأحكام أزواجه لأن الرجال مما يستحسنون ذلك لأزواجهم، فمن أشد ما يلحق الرجل بعد وفاته تزوج زوجه من بعده لأنها بذلك كأنها هي المطلقة له، ولذلك ورد أن المرأة إنما تكون لآخر زوج.
لأنها تركت الزوج ولم يتركها هو، قال صلى الله عليه وسلم: «أنا وسفعاء الخدين حبست نفسها على يتاماها حتى ماتوا- أو: بانوا- كهاتين في الجنة» كأنه صلى الله عليه وسلم أكد ذلك المعنى على من ترك لها المتوفى ذرية لأنه أثبت عهد معه- انتهى.
روى البخاري في التفسير عن مجاهد {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله عزّ وجلّ: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج} [البقرة: 240] قال: جعل الله سبحانه وتعالى لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله سبحانه وتعالى: {غير إخراج} فالعدة كما هي واجب عليها. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{وصية} بالنصب: أبو عمر وابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب غير روبس. الباقون بالرفع.

.الوقوف:

{قانتين} O {أو ركبانًا} ج لأن إذا في معنى الشرط مع فاء التعقيب {تعلمون} O {أزواجًا} ج لانقطاع النظم ومكان الحذف لأن التقدير فعليهم وصية أو فليوصوا وصية، والوصل أجوز لاتصال المعنى فإن وصية أو وصية قام مقام خبر المبتدأ. {إخراج} ج {من معروف} ط {حكيم} O {بالمعروف} ط {المتقين} O {تعقلون}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

موقع هذه الآية هنا بعد قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن} [البقرة: 243] إلى آخرها في غاية الإشكال فإن حكمها يخالف في الظاهر حكم نظيرتها التي تقدمت، وعلى قول الجمهور هاته الآية سابقة في النزول على آية: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن} يزداد موقعها غرابة إذ هي سابقة في النزول متأخرة في الوضع.
والجمهور على أن هذه الآية شرعت حكم تربص المتوفى عنها حولًا في بيت زوجها وذلك في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بعدة الوفاة وبالميراث، روي هذا عن ابن عباس، وقتادة والربيع وجابر بن زيد.
وفي البخاري في كتاب التفسير عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان هذه الآية، {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم} قد نسختها الآية الآخرى فلم تكتبها، قال: لا أغير شيئًا منه عن مكانه بابن أخي فاقتضى أن هذا هو موضع هذه الآية، وأن الآية التي قبلها ناسخة لها، وعليه فيكون وضعها هنا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم لقول عثمان: لا أغير شيئًا منه عن مكانه ويحتمل أن ابن الزبير أراد بالآية الأخرى آية سورة النساء في الميراث.
وفي البخاري قال مجاهد شرع الله العدة أربعة أشهر وعشرًا تعتد عند أهل زوجها واجبًا، ثم نزلت {وصية لأزواجهم} فجعل الله لها تمام السنة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، ولم يكن لها يومئذ ميراث معين، فكان ذلك حقها في تركة زوجها، ثم نسخ ذلك بالميراث فلا تعرض في هذه الآية للعدة ولكنها في بيان حكم آخر وهو إيجاب الوصية لها بالسكنى حولًا: إن شاءت أن تحتبس عن التزوج حولًا مراعاة لما كانوا عليه، ويكون الحول تكميلًا لمدة السكنى لا للعدة، وهذا الذي قاله مجاهد أصرح ما في هذا الباب، وهو المقبول.
واعلموا أن العرب في الجاهلية كان من عادتهم المتبعة أن المرأة إذا توفي عنها زوجها تمكث في شر بيت لها حولًا، محدة لابسة شر ثيابها متجنبة الزينة والطيب، كما تقدم في حاشية تفسير قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} [البقرة: 234] عن الموطأ، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة، وشرع عدة الوفاة والإحداد، فلما ثقل ذلك على الناس، في مبدأ أمر تغيير العادة، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج والإنفاق عليها من ماله، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج، فإن خرجت وأبت السكنى هنالك لم ينفق عليها، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقًا عليها لا تستطيع تركه، ثم نسخ الإنفاق والوصية بالميراث، فاللَّه لما أراد نسخ عدة الجاهلية، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم، أقر الاعتداد بالحول، وأقر ما معه من المكث في البيت مدة العدة، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالسكنى، وعلى قبول الزوجة ذلك، فإن لم يوص لها أو لم تقبل، فليس عليها السكنى، ولها الخروج، وتعتد حيث شاءت، ونسخ {وصية} السكنى حولًا بالمواريث، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعًا بحديث الفُريعة. اهـ.